«معرض الكتاب» ينزع عن السودان والصومال عروبتهما
ما ان يتم الإعلان عن تفاصيل الدروة الجديدة من معرض القاهرة للكتاب، إلا وتتوالى الأزمات، وربما هذا هو حال كل الدورات وليس فقط الدورة الـ49، والتى فجرت أزمة كبيرة.
تحرير:ناصر كامل
٠٥ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٣:٤٥ م
بقى الموقع الرسمى للهيئة المصرية العامة للكتاب؛ المخصص لمعرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته التاسعة والأربعين، دون مراجعة لبضعة أيام، ثم جرت إضافة أخبار وصور؛ لوزيرة الثقافة ولرئيس الهيئة، حتى تعزز الشك فى أن الأمر مقصود لحكمة ما، فمن الصعب تصور أن هذا خطأ لم يدركه ويتداركه أحد من العاملين، فقائمة الدول المشاركة فى المعرض قسمت ثلاثة أقسام: دول عربية، دول إفريقية، دول أجنبية، وتحت عنوان دول عربية جاءت: المملكة المغربية، الإمارات العربية، السعودية، الكويت، البحرين، تونس، لبنان، سلطنة عمان، الجزائر (ضيف الشرف).
الدول المشاركة فى معرض القاهرة الدولى للكتابهذه 35 دولة، يمكن تصور أن "التشيك - براغ" هى نفسها "جمهورية التشيك" فبهذا يستقيم الحديث بأن عدد الدول المشاركة 34 دولة، كما نسب للمسئولين، هذا خطأ مقبول، لكن أن يوضع السودان والصومال فى قسم الدول الإفريقية فهذا ما يصعب تبريره، أيمكن أن يكون الأمر بقصد أن يزيد
الدول المشاركة فى معرض القاهرة الدولى للكتاب
هذه 35 دولة، يمكن تصور أن "التشيك - براغ" هى نفسها "جمهورية التشيك" فبهذا يستقيم الحديث بأن عدد الدول المشاركة 34 دولة، كما نسب للمسئولين، هذا خطأ مقبول، لكن أن يوضع السودان والصومال فى قسم الدول الإفريقية فهذا ما يصعب تبريره، أيمكن أن يكون الأمر بقصد أن يزيد عدد الدول الإفريقية المشاركة فى المعرض فى التصريحات الإعلامية دليلا على الاهتمام بإفريقيا؛ كأن يقال "وتشارك ست دول إفريقية" بدلا من أربع، أهذا مبرر أفضل من أن هناك من يجهل أن السودان والصومال دولتان عربيتان؛ على الأقل لأنهما مشاركان فى كل الأطر والاتفاقيات والمنظمات العربية.
هل المسألة تستحق الكلمات السابقة، أيكون حديثنا فى أمور ثانوية، ونترك أمورا مهمة جليلة متعلقة بنشاط المعرض، فى غالب الظن لا؛ لأن الشعار "الجليل" للمعرض يحثنا على الاهتمام بمثل هذه الأمور: القوة الناعمة.. كيف؟ بالاهتمام بمثل هذه الأمور.
المفارقة أن الحديث عن معرض القاهرة الدولى للكتاب قد يقودنا إلى ذكر السودان وعروبته، ذلك أن أى تعريف بالمعرض يبدأ بالحديث عن تاريخ المعرض، الذى قد يتطرق إلى الأوضاع السياسية والثقافية فى مصر عند بدايته، وقد يسترسل ليستعرض أهم المحطات الرئيسية للمعرض، وللدهشة سيكون السودان حاضرا فى كليهما، وسيكون ذلك مناسبا لبعض المراجعة والتصحيح والنقد.
تاريخ المعرض تقدمه الهيئة المصرية العامة للكتاب هكذا: "سطع نجم المعرض لامعا فى سماء الثقافة منذ عام 1969 حيث بدأت الفكرة مع رئاسة الدكتورة سهير القلماوى للمؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر".
فى حين يذكر وزير الثقافة الأسبق، الدكتور ثروت عكاشة، (كان وزيرا للثقافة من 1966 إلى 1970) فى مذكراته الآتى: وحين تقدم إلى الفنان عبد السلام الشريف مقترحا ضرورة إقامة معرض دولى للكتاب فى مصر أشرت على المؤسسة بتبنى الاقتراح، فاتصلت بسوق الكتاب الدولى المعروف فى ليبزج، وأرسلت مندوبها الأستاذ إسلام شلبى للتمهيد إلى إقامة معرض شبيه به على النطاق العربى، ليربطها بحركة نشر الكتاب دوليا...، وأقيم المعرض فى يناير 1969 كى تتيح الفرصة أمام الجامعات والهيئات العلمية للوصول إلى حاجتها من المراجع بأسعار مناسبة. ولقد اشتركت فى هذا المعرض الأول 27 دولة وأكثر من 400 دار نشر، وزارة ما يزيد على سبعين ألف زائر خلال عشرة أيام".
وفى الأهرام نشر د.عماد عبد الراضى فى مثل هذه الأيام من العام الماضى موضوعا عن المعرض أبرز فى عناوينه أن: "إسرائيل قاطعت الناشرين الأجانب المشاركين فى الدورة الأولى"، وجاء فيه: "وتم التعامل مع انطلاق المعرض بشكل سياسى إلى حد كبير؛ فبينما رأى أصحاب فكرة انطلاقه أن الثقافة وتبادل الخبرات المعرفية من وسائل مواجهة العدوان الصهيونى على أراضينا، إذا بإسرائيل تعلن وضع الناشرين الأجانب الذين أعلنوا مشاركتهم بالمعرض فى القائمة السوداء، ومنع ما يصدرونه من كتب ومؤلفات من التداول فى الأسواق الإسرائيلية، لذلك لم يكن غريبا أن تحمل افتتاحيات الصحف يومها كلمات السعادة لانطلاق الحدث الذى أقلق مضجع العدو، فخرجت الصحف تقول: "اليوم يفتتح أول معرض دولى للكتاب فى الشرق الأوسط بأرض المعارض بالجزيرة.. بعد أن نجحنا فى شل يد الصهيونية العالمية التى ظلت تعمل للحيلولة دون إقامته".
حديث عكاشة، ومقال عبد الراضى يبرزان مدى التغيير الهائل الذى حدث ما بين التأسيس ويومنا هذا، الاستعانة بخبرة معرض لايبزج ينبهنا إلى أن معرض تلك المدينة كان وجهة مناسبة سياسيا وقتها، لايبزج كانت جزءا من جمهورية ألمانيا الديمقراطية- الشرقية- وكانت تتخذ موقفا داعما لقضية العرب، نعرف أن ألمانيا أصبحت موحدة منذ 1990، لكن قبل ذلك كانت العلاقة مع إسرائيل قد تحولت بالنسبة لمعرض الكتاب، فشاركت رسميا فى دورة 1981- قد نعود لذلك لاحقا-.
لكن أين السودان فى ذلك؟
أى حديث عن تلك السنوات (1967- 1973) لا بد أن يذهب إلى السودان، وإلى مؤتمر القمة العربية الذى أقر سياسة دعم صمود دول المواجهة: مصر، سوريا، الأردن، ووضع استراتيجية تلك المواجهة انطلاقا من اللاءات الثلاثة: "لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه".
قبل أن نترك الحديث عن التأسيس، فلنراجع كلمات عكاشة: "تقدم إلى الفنان عبد السلام الشريف بمقترح ضرورة إقامة معرض دولى للكتاب"، لكن كل حديث تنشره الهيئة المصرية العامة للكتاب لا يذكر الرجل، يذكر فقط القلماوى، وينسب إليها الفكرة وليس التنفيذ فهل أخطأ عكاشة، الواقع أن عبد السلام الشريف (1910- 1996)، عين مستشارا فنيا لوزير الثقافة عام 1969، كما كتب فى جريدة المساء، صبحى الشارونى، فى مقاله المعنون "الاحتفال بالميلاد المئوي للفنان عبد السلام الشريف"، والشريف فنان متعدد الاهتمامات والإنجازات، هو أحد رواد الفن الصحفي، والديكور والأزياء فى السينما والمسرح، وكان مستشارا فنيا للدار القومية للطباعة والنشر "الهيئة العامة للكتاب" من عام 1959 حتى عام 1966، وكانت تربطه علاقة عمل وثيقة بالدكتور ثروت عكاشة؛ فهو الذي قام بإخراج عدة أجزاء من موسوعته "تاريخ الفن- العين تسمع والأذن ترى".
لا يوجد المزيد